عرض مشاركة واحدة
قديم 29/1/2009, 08:29 PM   رقم المشاركة : ( 47 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: من روائع التراث (كليلة ودمنة)

ثم قال ابن الأكار: ليس في الدنيا أفضل من الاجتهاد في العمل فلما قربوا من مدينة يقال لها مطرون، جلسوا في ناحية منها يتشاورون: فقالوا لابن الأكار: انطلق فاكتسب لنا باجتهادك طعاماً ليومنا هذا. فانطلق ابن الأكار، وسأل عن عمل إذا عمله الإنسان يكتسب فيه طعام أربعة نفر فعرّفوه أنه ليس في تلك المدينة شيء أعز من الحطب، وكان الحطب منها على فرسخ. فانطلق ابن الأكار فاحتطب طناً من الحطب، وأتى به المدينة فباعه بدرهم واشترى به طعاماً وكتب على باب المدينة: عمل يوم واحد إذا أجهد فيه الرجل بدنه قيمته درهم. ثم انطلق إلى أصحابه بالطعام فأكلوا. فلما كان من الغد: قالوا ينبغي للذي قال إنه ليس شيء أعز من الجمال أن تكون نوبته. فانطلق ابن الشريف ليأتي المدينة، ففكر في نفسه وقال: أنا لست أحسن عملاً فما يدخلني المدينة? ثم استحيا أن يرجع إلى أصحابه بغير طعام، وهمّ بمفارقتهم. فانطلق حتى أسند ظهره إلى شجرة عظيمة، فغلبه النوم فنام. فمر به رجل من عظماء المدينة فراقه جماله وتوسم فيه شرف النِّجَّار فرقَّ له ومنحه خمسمائة درهم. فكتب على باب المدينة: جمال يوم واحد يساوي خمسمائة درهم. وأتى بالدراهم إلى أصحابه. فلما أصبحوا في اليوم الثالث، قالوا لابن التاجر: انطلق أنت فاطلب لنا بعقلك وتجارتك ليومنا هذا شيئاً. فانطلق ابن التاجر فلم يزل حتى بصر بسفينة من سفن البحر كثيرة المتاع قد قدمت إلى الساحل، فخرج إليها جماعة من التجّار يريدون أن يبتاعوا مما فيها من المتاع. فجلسوا يتشاورون في ناحية من المركب، وقال بعضهم لبعض: ارجعوا يومنا هذا لا نشتري منهم شيئاً حتى يكسد المتاع عليهم فيرخصوا علينا، مع أننا محتاجون إليه، وسيرخص. فخالف الطريق وجاء إلى أصحاب المركب، فابتاع منهم ما فيه بمائة ألف دينار نسيئة وأظهر أنه يريد أن ينقل متاعه إلى مدينة أخرى. فلما سمع التجار ذلك خافوا أن يذهب ذلك المتاع من أيديهم، فأربحوه على ما اشتراه مائة ألف درهم، وأحال عليهم أصحاب المركب بالباقي، وحمل ربحه إلى أصحابه وكتب على باب المدينة: عقل يوم واحد ثمنه مائة ألف درهم. فلما كان اليوم الرابع قالوا لابن الملك: انطلق أنت واكتسب لنا بقضائك وقدرك.


فانطلق ابن الملك حتى أتى إلى باب لمدينة فجلس على متكأ في باب المدينة، واتفق أن ملك تلك الناحية مات ولم يخلف ولداً ولا أحداً ذا قرابة. فمرّوا عليه بجنازة الملك ولم يحزنه وكلهم يحزنون. فأنكروا حاله وشتمه البواب، وقال له: من أنت يا هذا? وما يجلسك على باب المدينة ولا نراك تحزن لموت الملك? وطرده البواب عن الباب فلما ذهبوا عاد الغلام فجلس مكانه. فلما دفنوا الملك ورجعوا بصر به البواب فغضب وقال له: ألم أنهك عن الجلوس في هذا الموضع? وأخذه وحبسه. فلما كان الغد اجتمع أهل تلك المدينة يتشاورون فيمن يملكونه عليهم، وكلٌّ منهم يتطاول ينظر صاحبه، ويختلفون بينهم. فقال لهم البواب: إني رأيت أمس غلاماً جالساً على الباب، ولم أره يحزن لحزننا، فكلمته فلم يجبني، فطردته عن الباب. فلما عدت رأيته جالساً فأدخلته السجن مخافة أن يكون عيناً. فبعثت أشراف أهل المدينة إلى الغلام فجاءوا به، وسألوه عن حاله، وما أقدمه إلى مدينتهم. فقال: أنا ابن ملك فويران، وإنه لما مات والدي غلبني أخي على المُلكْ، فهربت من يده حذراً على نفسي حتى انتهيت إلى هذه الغاية. فلما ذكر الغلام ما ذكره من أمره عرفه من كان يغشى أرض أبيه منهم، وأثنوا على أبيه خيراً. ثم إن الأشراف اختاروا الغلام أن يملكوه عليهم ورضوا به. وكان لأهل تلك المدينة سنة إذا ملكوا عليهم ملكاً حملوه على فيل أبيض، وطافوا به حوالي المدينة. فلما فعلوا به ذلك مرّ بباب المدينة فرأى الكتابة على الباب فأمر أن يكتب: إن الاجتهاد والجمال والعقل وما أصاب الرجل في الدنيا من خير أو شر إنما هو بقضاء وقدر من الله عزّ وجل. وقد ازددت في ذلك اعتباراً بما ساق الله إلي من الكرامة والخير. ثم انطلق إلى مجلسه فجلس على سرير ملكه وأرسل إلى أصحابه الذين كان معهم فأحضرهم فأشرك صاحب العقل مع الوزراء، وضمّ صاحب الاجتهاد إلى أصحاب الزرع، وأمر لصاحب الجمال بمالٍ كثير ثم نفاه كي لا يفتتن به. ثم جمع علماء أرضه وذوي الرأي منهم وقال لهم: أما أصحابي فقد تيقنوا أن الذي رزقهم الله سبحانه وتعالى من الخير إنما هو بقضاء الله وقدره، وإنما أحب أن تعلموا ذلك وتستيقنوه، فإن الذي منحني الله وهيأه لي إنما كان بقدر، ولم يكن بجمال ولا عقل ولا اجتهاد. وما كنت أرجو إذ طردني أخي أن يصيبني ما يعيشني من القوت فضلاً عن أن أصيب هذه المنزلة، وما كنت أؤمل أن أكون بها: لأني قد رأيت في هذه الأرض من هو أفضل مني حسناً وجمالاً، وأشد اجتهاداً وأسد رأياً، فساقني القضاء إلى أن أعتززت بقدر من الله، وكان في ذلك الجمع شيخ فنهض حتى استوى قائماً، وقال: إنك قد تكلمت بكلام كامل عقل وحكمة، وإن الذي بلغ بك ذلك وفوز عقلك وحسن ظنّك، وقد حققت ظننا فيك ورجاءنا لك. وقد عرفنا ما ذكرت، وصدقناك فيما وصفت. والذي ساق الله إليك من المُلكِ والكرامة كنت أهلاً له، لما قسم الله تعالى لك من العقل والرأي. وإني أسعد الناس في الدنيا والآخرة من رزقه الله رأياً وعقلاً
  رد مع اقتباس