المهندسين العرب

المهندسين العرب (http://www.mohandsen.net/vb/index.php)
-   في شرف استقبال شهر رمضان (http://www.mohandsen.net/vb/forumdisplay.php?f=628)
-   -   الصيام والتقوى (http://www.mohandsen.net/vb/showthread.php?t=737667)

roufa01 22/6/2016 03:02 AM

الصيام والتقوى
 
الصيام والتقوى



قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾[البقرة:183].
إنَّ من حكمةِ الله تعالى أنْ شرع لعباده الأحكام والعبادات والقربات ليعود بالنُّفوس إلى ما فُطرت عليه، وليتحقَّق فيها تقوى الله جلَّ وعلا، ولذلك من تأمَّل سورة البقرة على سبيل المثال ـ وهي أكبر السُّور وأكثرها ذكرًا للأحكام الشَّرعيَّة ـ يجد أنَّ الله تعالى لا يذكر فيها حكمًا من الأحكام الشَّرعية إلَّا ويقرنه بذكر التَّقوى، ممَّا يشعر بأنَّ من حِكَم تشريع تلك الأحكام تحقيقُ تقوى الله تعالى.

وإنَّ من أعظم العبادات والقُربات المحقِّقة لتقوى الله عزَّ وجلَّ الصِّيامَ، فبيَّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنَّه لم يَشْرَع هذا الصِّيام لعباده ليجوعوا وليعطشوا، وإنَّما شرعه لهم لغاية عظيمة ألا وهي تحقيق تقوى الله عزَّ وجلَّ.

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: «والصَّوم إنِّما شرع لتحصيل التَّقوى...»

(1).
وقد جاء في سنَّة المصطفى ﷺ ما يؤكِّد هذا المعنى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَة فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»

(2).
وعنه رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ وَالعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ»

(3).
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: «بيَّن ﷺ أنَّ الله تعالى لم يحرِّم على الصَّائم الأكل لحاجته إلى ترك الطَّعام والشَّراب، كما يحرِّم السَّيِّد على عبيده بعض ماله، بل المقصود محبَّة الله تعالى، وهو حصول التَّقوى، فإذا لم يأت به فقد أتى بما ليس فيه محبَّة ورضا، فلا يثاب عليه»

(4) اهـ.
وقد أدرك سلفنا الصَّالح هذه الحقيقة التي شرع لأجلها الصِّيام فكانوا يصونون صيامهم عن جميع ما يخدش فيه وينقص أجره وثوابه، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء»

(5).
وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: «إذا صمت فتحفَّظ ما استطعت»

(6).
وعن أبي المتوكّل أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه وأصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نطهِّر صيامنا

(7).
قلت: لأنَّ مخالطة النَّاس ومعافستهم قد تكون سببًا في خدش الصَّوم، فما أحوجنا إلى إحياء هذا الهدي في أيَّام الصَّوم.

وعن كعب قال: «الصَّائم في عبادة ما لم يغتب»

(8).
وعن حفصة بنت سيرين ـ رحمها الله ـ قالت: «الصِّيام جنَّة ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة»

(9).
وعن أبي العالية ـ رحمه الله ـ قال: «الصَّائم في عبادة ما لم يغتب أحدًا، وإن كان نائمًا على فراشه»

(10).
ثمَّ إنَّ من رحمة الله تعالى بعباده في هذا الشَّهر الكريم أن يسَّر لهم أسباب التَّقوى وسهَّل لهم سبلها، وذلك من وجوه عدَّة أذكر منها ما يلي:

الوجه الأوَّل: أنَّ الشَّياطين من أعظم ما يعيق عن تقوى الله عزَّ وجلَّ وهي في هذا الشَّهر مسلسلة مصفَّدة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قال: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ـ وفي رواية: أَبْوَابُ الجَنَّةِ ـ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»

(11).
الوجه الثَّاني: أنَّ من أعظم ما يخدش في التَّقوى الذُّنوبَ والمعاصي، والصَّائمُ من أشدِّ النَّاس حرصًا على اجتنابها، ومتى قارف شيئًا منها فهي بالصِّيام والقيام مكفَّرة ـ إنْ شاء الله ـ ، ففي «الصَّحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَة القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وفيهما أيضًا عنه رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

الوجه الثَّالث: أنَّ هذا الشَّهر هو شهر الكفِّ عن الشَّهوات ، ولذلك جاء في الحديث القدسي أنَّ الله تعالى يقول: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي»

(12) الحديث.
الوجه الرَّابع: أنَّ شهر رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى:

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[البقرة:185].
والقرآن الكريم هو هدى للمتَّقين، قال تعالى:

﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾[البقرة:1-2].
فمن واظب على قراءة كتاب الله في هذا الشَّهر وتدبَّره وعمل بما فيه كان له النَّصيب الأوفر من تحقيق تقوى الله عزَّ وجلَّ.

الوجه الخامس: أنَّ الله تعالى قد قرن في كتابه بين الصَّبر والتَّقوى في عدَّة مواضع، فمن تسلَّح بسلاح الصَّبر حقَّق تقوى الله جلَّ وعلا؛ لأنَّ شهر رمضان هو شهر الصَّبر، فقد روى أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ»

(13).
وهذا الشَّهر تجتمع فيه أنواع الصَّبر الثَّلاثة: ففيه صبر على فعل الطَّاعة، وصبر على ترك المعصية، وصبر على ألم الجوع والعطش.

الوجه السَّادس: أنَّ من أعظم الطَّاعات الَّتي بها تتحقَّق التَّقوى الصَّلاةَ، وشهر رمضان هو شهر الصَّلاة والتَّراويح وقيام اللَّيل.

الوجه السَّابع: أنَّ من أعظم ما يحقِّق التَّقوى نفع العباد بالبذل والإحسان والصَّدقات، وشهر رمضان هو شهر البذل والعطاء والمسارعة إلى الإنفاق، فقد روى البخاري في «صحيحه» عن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل»

(14) الحديث.
الوجه الثَّامن: أنَّ ذكر الله تعالى هو زاد المتَّقين الَّذي يتزوَّدون به في سَيْرهم إلى الله جلَّ وعلا، وهو حياة القلوب، وروح الأبدان، قال شيخ الإسلام
ـ رحمه الله ـ: «الذِّكر للقلب مثل الماء للسَّمك، فكيف يكون حال السَّمك إذا فارق الماء»

(15).
وشهر رمضان هو شهر ذكرِ الله تعالى، تجد فيه النُّفوس من اللَّذَّة بذكره ما لا تجده في سائر الشُّهور.

والحاصل أنَّ هذا الشَّهر اجتمع فيه من عبادة الصِّيام والصَّلاة والذِّكر ما لم يجتمع في غيره من الشُّهور، وهذه العبادات كما قال شيخ الإسلام
ـ رحمه الله ـ هي أصول العبادات الدِّينيَّة

(16)، ولذلك جاءت مجموعة في بعض النُّصوص كقوله ﷺ في الخوارج: «يَحْقِرُ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِ»(17) الحديث.
فهذه أخي القارئ بعض أوجه تيسير الله تعالى لأسباب التَّقوى في هذا الشَّهر المبارك.

فمن لم يحقِّق التَّقوى في هذا الشَّهر فلا يلومنَّ إلَّا نفسه.

ولذلك دعا جبريل ـ عليه السَّلام ـ بالإبعاد على من ضيَّع فرصة تكفير السَّيِّئات في هذا الشَّهر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ»

(18) الحديث.
وفَّق الله الجميع لاغتنام هذا الشَّهر للتَّزوُّد بالخيرات للدَّار الآخرة، والحمد لله ربِّ العالمين.

masar 22/6/2016 11:00 AM

رد: الصيام والتقوى
 
كل الشكر لك اخي

hassanelaiwa 22/6/2016 04:14 PM

رد: الصيام والتقوى
 
جزاك الله خير اخى بارك الله فيك

م/ محمد سمير 22/6/2016 05:48 PM

رد: الصيام والتقوى
 
جزاك الله خيرا أخى

ايمن مغازى 23/6/2016 05:25 PM

رد: الصيام والتقوى
 
بارك الله فيك أخى الغالى


الساعة الآن 01:14 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir