خـواطر حول سورة الكهف ـــ 1

[2hossain]

أعـوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق أجمعـين وخاتم الأنبياء والمرسلين وبـعد :
يقول الله سبحانه وتعالى " كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " 29 سورة ص ...
اللـهم لا علم لنا إلا ما علمتـنا،إنك أنت العلـيم الحكيم،اللـهم علمنا ما ينفعـنا،وأنفعـنا بما علمتـنا،اللـهم أرنا الحـق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتـنابه
واجعـلنا ممن يستمعـون القول فيتبعـون أحسنه... لقد كان من توفيق الله سبحانه وتعالى أن جعلنى ممن استجابوا لأمره العـظيم بالتدبر فى القرآن الكريم فى سوره ، آياته ، كلماته
بل فى حروفه، فالقرآن الكريم إعجازه متجدد إلى يوم الدين لا يجمد ..سخى يعـطى دائما، فالذين يقرأون كتاب الله ويبحثون فى كتاب الله .يجب أن يتأملوا جيدا كلام الله سبحانه وتعالى
لماذا ؟ لأن فى القرآن إعجاز لا يتـنبه إليه العـقل إلا بعـد أن ينشط ويفتح عليه الله بغير ما هو معروف " يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً " 269 ــسورة
اللهـم اجعل القرآن ربيع حياتنا واجعله حجة لنا لا علينا واجعله نورا لنا فى حياتنا وحجة لنا بعد مماتنا ....
فضل سورة الكهف :
دائما نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة ولكن يجهل البعـض منا الحكمة من ذلك ..
قال إسحاق ابن عبد الله : أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أدلكم على سـورة شيعها سبعـون ألف ملك مَلأ عِـظمُها ما بين السماء والأرض لتاليها مثل ذلك "
قالوا بلى يا رسول الله ؟ قال : سـورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة غُـفِر لـه إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وأعطى نوراً يبلغ السماء ووقى فتنة الدجال "
وفى صحيح مسلم عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " وفى رواية من أخر سورة الكهف
وقال صلى الله علي وسلم : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء"
والاحاديث فى فضلها كثيرة... وسورة الكهف سورة مكية ترتيبها القرآنى 18 عدد آياتها 110 آية عدد ألفاظ الجلالة فى السورة 16 عدد كلماتها 1583
وهى إحدىخمس سور ابتدأت بــ ( الحمد لله ) الفاتحة،الأنعام،الكهف، سبأ، فاطر، ذات اربع موضوعات هامة قصة أصحاب الكهف / صاحب الجنتين / موسى والعـبد الصالح / ذو القرنين
إقرأ السورة مرة ومرات وتأمل جيدا آياتها .. نجد أن السورة تحتوى على كهوف كثيرة وليس كهفا واحدا ولكنها كهوف معـنوية والكهف المذكور فى السورة كان كهفا حقيقياالتجأ إليه الفتية
هربا من طغـيان باطل وكافر، كذلك قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح مليئة بالكهوف، ولكنها كهوف معـنوية، بمعـنى : أشياء تـنبئنا بما يستتر تحتها من حقائق فى هذا الكون
الشاسع ولنأخذ منها العـبر والتى تنفعـنا فى حياتنا قبل مماتنا
وقبل أن نبدأ الحديث عن المراد فى هذه السورة فإننا نتوقف عند اسم السورة ..الإسم هو سورة الكهف ..والكهف كما هو معروف :هو فتحة متسعة داخلة فى فى الجبل تستر من بداخلها
وما لم يتسع فهـو الغار، ولقد شاء الله أن يخلق فى أماكن كثيرة كهوفا ومغارات حتى نرى ونتذكر.. وكما نتذكر الكهف، نتذكر الغار الذى لجأ إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه
ابو بكر الصديق رضى الله عنه لأن كلاهما ذكر فى القرآن الكريم وكيف كان الله معهما كما كان مع أصحاب الكهف ومن كان معه الله فلا يحزن، ومن كان معه الله فمن عليه ومن كان مع
الله كان الله معه " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثـنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله مـعـنا.....) 40 ـــ سورة التوبة
وكما قلنا أن الكهف فجوة فى الجبل ! نسأل هل تستطيع وأنت خارج هذه الفجوة أن ترى وتعرف ما بداخله ؟ طبعا لا .. إذن لا بد أن نبحث ونفكر حتى نكتشف ما بداخل هذا الكهف، ومن هنا
فإن اسم السورة لا يجب أن يمر علينا دون أن نفكر فيه ..فقصة أهل الكهف هى قصة كل قوم يفرون من الطغاةالذين يحاولون أن يجبروهم على الكفر فيفروا بدينهم ويختبئوا فى الكهف
وقصة صاحب الجنتين، قصة يريد الله أن يلفتـنا إلى أسباب زوال النعمة وكيف نتجنب هذه الأسباب، وأن الفضل بيد الله وقصة موسى والعـبد الصالح، قصة المراد منها ألا نحكم على الأشياء
الأشياء بالظاهر،فهناك حقائق مستورة عـنا قد لا ننتبه إاليها مهما أوتينا من علم، ولكن لا نحسها ولا نراها إلا إذا وقعـت، وقصة ذو القرنين وهى قصة يريد الله أن يلفتـنا لكل حاكم
وذى سلطان أن ينصر الحق ويحارب الظلم والطغـيان ويضرب على يد المسيء ويثاب المحسن وهذا يؤدى إلى صلاح المجتمع.... وكل هذه الكهوف الأربعة تحتها كهوف معـنوية تحتها
حقائق مستورة...كل هذا فى سورة الكهف فاقرأ ماشئت من هذه السورة الكريمة ولكن بتدبر...
فى أسباب نزولها : ذكر ابن إسحاق أن قريشا بـعثوا النضر بن الحارث وعُـقبة بن أبى مُعـيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما : سَلاهم عن محمد وصفا لهم صـفته وأخبراهم بقوله
فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وأخبراهم عن
ببعض قـوله، وقال لهم : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا .. فقال لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهـو نبى حقا وإن لم يفعـل
فالرجل مُتَـقّـول فاصنعـوا في أمره ما بدا لكم، سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهـر الأول كان لهم حديث عجب ما كان أمرهم ، وسـلوه عن رجل طـواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها
ما كان نبـؤه، وسـلوه عن الـروح ما هى ، فإذا أخبركم بهن فاتبعـوه فإنه نبى وإن لم يفعـل فالرجل مُتَـقول فاصنعـوا فى أمره ما بدا لكم ..فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبى مُعيط
حتى قدما مكة على قريش فقالا : يا معشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ــ قد أمرنا أحبار يهـود أن نسـأله عن أشياء أمرونا بها فإن أخبركم عنها فهو نبى وإن لم يفعـل
فالرجل مُتَقول فافعلـوا ما بدا لكم في أمره فجاءوا رسـول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا فى الدهـر الأول قد كانت لهم قصة عجب، وعن رجل طواف
قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هى ؟ قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أُخبركم بما سألتم عـنه غـدا " ولم يستثن ( أى لم يقل إن شاء الله )
فانصرفوا عـنه فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه فى ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غداً
واليوم خمس عشرة ليلة وقد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عـنه وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عـنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل
من عـند الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف وفيها معاتبة الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم على حزنه عليهم وخبر ما سألوه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح ، قال ابن إسحاق :
فذكر لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : لقد احتبست عنى يا جبريل حتى سـؤت ظـناً " فقال لـه جبريل عليه السلام : " وما نتـنزل إلا بأمر ربك لـه ما بين أيدينا وما خلفنا
وما بين ذلك وما كان ربك نسيا " فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم لما أنكروا عليه من ذلك
وللعلم لفظ ( الكهف ــ كهفهم ) تكررذكره 6مرات فى السورة ذاتها ولم يتكرر فى أى سورة من سور القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم : الآيات من 1إلى 9 معانى مبسطة
الله سبحانه وتعالى استهل السورة بحمد ذاته، وإن كانت أسباب الحمد كلها ترجع لصاحب الحمد،وهى السورة الثالثة بعد الفاتحة والأنعام، ونلاحظ أنه فى السور الخمس المبتدأة بالحمد
استهل الله مرة الحمد للعناصر المادية كما فى سورة الأنعام ( الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعـل الظلمات والنور..)
ومرة يستهل للعـناصر الروحية كم فى سورة الكهف ( الحمد لله الذى أنزل على عـبده الكتاب ولم يجعـل له عِِـوجا ) إلا فى سورة الحمد أو الفاتحة جاء بالعـناصر المادية والروحية فقال :
( الحمد لله رب العالمين ) حتى نعـرف سور القرآن المبتدأة بالحمد لله ...بعد ذلك إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أنزل على رسوله الكتاب بالحق ولم يجعـل له عِـوجا ...
والعِـوج بكسر العين معـناه فى الدين والرأى والأمر والطريق والعَـوج بفتح العـين فى الأجسام كالأخشاب والمعادن،بل جعـل الله هذا الكتاب مستقيما لا تناقض فيه ولا فساد قيماً على كل
السابقة بالحجج وإعجازاً على مر الزمان
ثم تأمل قوله تعالى ( لينـذر بأسا.... ويبشر .. ) فى الآية الثانية وقوله تعالى ( وينـذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) فى الآية الرابعة ففى الآية الثانية إنذار عام لمن خالف هذا الكتاب ولم يؤمن
بـه ويبشر المؤمنين بهذا القرآن أن لهم أجراً حسنا ألا وهو الجنة، وفى الآية الرابعة إنذار خاص للذين قالوا اتخذ الله ولدا وهم اليهـود قالوا عـزير بن الله والنصارى قالت المسيح
ابن الله ومشركوا العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله..وفى الآية السادسة ( فلعـلك باخع نفسك ... أى مهلك نفسك بحزنك عليهم لتركهم الإيمان، فلا تحزن عليهم بل أبلِغهم كلام الله فمن
اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فعـليها،( إنا جعـلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ).. أخبر الله نبيه أنه جعل الدنيا فانية زائلة مزينة بزينة زائلة وجعلها دار إختبار
وأراد بالزينة كل ما على وجه الأرض ..والآية بسط لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فى التسلية، أى لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنى جعلتها إختبار فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر ثم
ثم يوم القيامة أجازيهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون " وكان أُبى رضى الله عـنه يقول فى قوله تعالى :
" أحسن عملا " ( أخذ بحق وإنفاق فى حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتـناب المحارم والإكثار من المندوب إليه ) وجمعه النبى صلى الله عليه وسلم فى لفظ واحد وهو قوله
لسفيان بن عبد الله الثقفى قال : : يارسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحد بعـدك وفى رواية غـيرك، قال : " قل آمنت بالله ثم استقم "
( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) وهى الأرض الجرز التى لا نبات فيها ولا شيء من عمارة وغير ذلك وهذا يوم القيامة حيث تكون الأرض لا مستتر فيها
( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاآياتـنا عجبا ) الآية هنا تقريرللنبى صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجبا حسب ما عـظمه السائلون من كفار
قريش، والله يقول لنبيه أنهم ليسوا بعجب من آياتـنـا بل فى آياتنا يا محمد ما هـو أعجب خلق السموات والأرض وما أطلعتك عليه من الغـيب أعجب وغير ذلك من الآيات الكبيرة
من هم أصحاب الكهف والرقيم ؟
فى القرآن الكريم نلاحظ أن القصص والأمثال التى يرويها لنا ، أخفى الله سبحانه وتعالى عـنا أسماء أبطالها الحقيقيين وكذلك أماكن حدوثها وزمانها لماذا ؟ لأن المقصود من القصص
والأمثلة العـبرة وليست القصة ولكن باستثـناء واحد يتمثل فى قصة عيسى بن مريم، فالأنبياء كلهم الذين ذكروا فى القرآن الكريم..ذكروا بأسمائهم الأولى إلا عيسى بن مريم، كذلك
كل امرأة ذكرت فى القرآن الكريم، لم يذكر أسمائهن إلا مريم ابنت عمران..لماذا ؟ لأنهما معجزة والمعجزة هنا لن تتكرر، فلن ولم يولد طفل بلا أب إلا عيسى بن مريم،ولن ولم تـضع أنثى
مولودا بدون ذكر إلا مريم ابنت عمران على نبينا وعليهم جميعا الصلاة والسلام... فمن هنا لا يهمنا أسماء أصحاب الكهف ولا الرقيم وفى أى محل من الأرض كانوا، كل ذلك لم يثبت فيه
عن النبى صلى الله عليه وسلم شيء زائد على ما فى القرآن وللمفسرين فى ذلك أخبار كثيرة أعرضنا عن ذكرها لعدم الفائدة المرجـوة..ولكنها قصة كل قـوم يفرون بدينهم خوفا على
أنفسهم من طغـيان كافر وكان هذا الكهف سترا لحق إيمانى .. وإلى الكهوف الأربعة أسأل الله أن يفتح علىّ بنور البصيرة مما خفى عـنى

سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم .... فى قرآنه العظيم

[عبدالرازق ابو محمد]

جزاك الله خيرا

[احمدررر]

[ابن الشوربجى]