الشيخ أحمــــد ديدات

[باسل الترك]

اسمه أحمد حسين ديدات وقد ولد في ولاية سوارات في الهند عام 1918 وهذا العام هو العام الذي أنجب جمال عبدالناصر ونيلسون مانديلا والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله .. ولذلك اقترن اسم جنوب أفريقيا بأحمد ديدات كما اقترن اسمها بالزعيم المناضل نيلسون مانديلا فبينما كان مانديلا يخوض نضالا سياسيا لتحرير البلاد من العنصرية من داخل زنزانته كان أحمد ديدات يقود نضالا عقائدياً شجاعاً لتحرير العقول من الكفر والتخلف والخزعبلات فأسلم عشرات الآلاف على يديه في جنوب أفريقيا وخارجها .

كان والده حسين ديدات خياطاً قرر الهجرة من الهند إلى جنوب أفريقيا طلباً للرزق ورغبة في تحسين أوضاع أسرته المعيشية وذلك بعد أن ولد ابنه أحمد الذي لحق بوالده في جنوب أفريقيا عندما أكمل التسع سنوات من عمره ، أي في سنة 1927 حيث عاش سنوات طفولته الأولى في ولاية سوارات الهندية موطن أبيه وأجداده من قبل ولكن الشوق الدفين إلى حنان الوالد والرغبة الجامحة في لم شمل الأسرة دفعها إلى الرحيل إلى جنوب أقريقيا ومن ثم الاستقرار بها .

تعلم الفتى أحمد ديدات في البلد الجديد اللغة الإنجليزية وحصل على شهادة السادس أو الثاني من المرحلة المتوسطة إلى أن بلغ السادسة عشر من عمره وعندها توقف عن الدراسة حين اضطر والده إلى إخراجه من المدرسة في بداية المرحلة الثانوية بسبب الظروف المادية السيئة وعمل بعدها بائعاً في أحد البقالات التي تبيع المواد الغذائية ويمتلكها أحد المسلمين، ويقع في منطقة نائية في ساحل جنوب إقليم ناتال وكانت بجانب إرسالية مسيحية وكان ذلك في عام 1936 حين كان طلبة الإرسالية المسيحية يأتون إلى الدكان الذي يعمل به ديدات وكان جميع العاملين به من المسلمين، ومضى هؤلاء الطلاب المسيحيون يكيلون الإهانات لديدات وصحبه عبر الإساءة للدين الإسلامي، وعن هذا يقول الشيخ ديدات:

كانوا يأتون إلينا ليقولوا: هل تعلمون شيئًا عن عدد زوجات محمد؟ ألا تدرون أنه نسخ القرآن وأخذه من كتب اليهود والنصارى؟ هل تعلمون أنه ليس نبيًّا؟ ويستمر الشيخ قائلاً:

لم أكن أعلم شيئًا عما يقولون، كل ما كنت أعلمه أنني مسلم.. اسمي أحمد.. أصلي كما رأيت أبي يصلي.. وأصوم كما كان يفعل، ولا آكل لحم الخنزير أو أشرب الخمور، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

المسارعة إلى تعلم القرآن والعلوم الشرعية أثناء العمل

عمل بعدها أحمد ديدات سائقاً في أحد مصانع الأثاث ومن ثم صار كاتباً في نفس المصنع إلى أن أصبح مديراً لهذا المصنع وإن مثل هذا الترقي في درجات العمل يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا الرجل كان صبوراً ومجتهداً ويعمل بكل أمانة وإخلاص وهذا جعل منه محبوباً بين زملائه ومديريه في العمل وإلا لما تحول بائع البقالة البسيط في فترة قياسية إلى مدير لمصنع الأثاث ، فسبحان الله الذي يفتح أبواب الرزق للأتقياء ويعطي المجتهدين المثابرين .

بالرغم من حاجته الماسة إلى المال وحاجة أسرته إلا أن أحمد ديدات لم ينس ربه وحاجته إلى التعلم فسارع إلى حفظ القرآن الكريم ودراسة العلوم الشرعية وقراءة الكتب الدينية المتنوعة التي تدافع عن الإسلام وترد على الشبهات التي يزرعها بعض المستشرقين والمشككين فيه فحاجة الإنسان إلى العلم لا يحدها سن ولا عمل ولا يقف في وجهها ظروف ومصاعب لأن الإنسان المسلم يلبي حاجة روحه بالإيمان وطاعة الرحمن ، ويلبي حاجة عقله بالعلم والمعرفة ، ويلبي حاجة جسمه بالعمل والمثابرة ، ليفيد بذلك نفسه وأسرته ودينه ويحقق بذلك رضا الله ورسوله والمؤمنين.

وفي الأربعينيات من القرن المنصرم أخذ أحمد ديدات دورة في تصليح وصيانة أجهزة الراديو والإلكترونيات فجمع قليلاً من المال فقرر أن يسافر إلى باكستان عام 1949 حيث اشتغل في معمل للنسيج ويبدو أنه تزوج هناك وله ولدان وبنت على ما ذكر عنه إلى أن قرر أحمد ديدات العودة مرة أخرى إلى البلاد التي أمضى فيها فترة المراهقة والشباب ( جنوب أفريقيا ) فهو وإن لم يكن يعود إليها في الأصل ولكنه حصل على جنسيتها وعاش وتعلم وعمل فيها فأصبح ولائه وانتماءه لها.

الدعوة إلى الله ومناظرة القساوسة وإلقاء المحاضرات

وعندما عاد أحمد ديدات إلى جنوب أفريقيا فإنه رجع من جديد كمدير لنفس المصنع الذي عمل فيه منذ ثلاث سنوات مضت فظل يعمل في هذا المصنع وفي نفس الوقت استمر في حفظ القرآن وتعلم العلوم الشرعية وقام بشراء نسخ من الأناجيل المتنوعة، وانهمك في قراءاتها ودراستها جيداً ثم عقد المقارنة بين ما جاء فيها فاكتشف تناقضات غريبة وأخذ يسأل نفسه: أي من الأناجيل هذه أصح؟ وواصل وضع يده على التناقضات المختلفة ومن ثم تسجيلها لطرحها أمام أولئك الذين يناقشونه بحدة في البقالة التي يعمل بها حيث قام بتحويل دكانه الصغير الذي مازال يحتفظ به إلى مكان يجتمع فيه مع القساوسة ورجال الدين المسيحيين الذين صاروا يأتون إليه يناظرونه ويجادلونه في الفرق بين الإسلام والمسيحية إلى أن أنشأ هو صديقه غلام حسن من جنوب أفريقيا مكتباً للدعوة الإسلامية يأتي إليه القساوسة ورجال الدين في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا عام 1956 ومن هذا المكتب انطلق الصديقان إلى الدعوة الإسلامية في الكنائس والمدرس المسيحية وكانت أول محاضرة للشيخ ديدات بعنوان "محمد صلى الله عليه وسلم رسول السلام" في عام 1940 وألقاها أمام 14 شخصا بإحدى دور السينما بالإقليم الذي عاش فيه ونجحت قوة حجته في إعادة مرتدين كانوا قد تخلوا عن عقيدتهم إلى الإسلام. وهكذا بدأت شؤون وشجون الدعوة تهيمن على كل جوانب حياته حتى بلغ عدد الحضور في محاضراته 40 ألفا.

أصبح الشيخ أحمد ديدات الداعية الإسلامي الأول في أفريقيا كلها واستطاع بالحكمة والموعظة الحسنة وبأسلوب الإقناع العقلي أن يجعل عشرات الآلاف من المسيحيين يعتنقوا الإسلام ويتركوا المسيحية إلى أن صارت مدينة ( كيب تاون ) الجنوب أفريقية تعرف بمدينة أحمد ديدات ، وبفضل المناظرات المقنعة التي كان يقيمها مع كبار القساوسة في المنطقة واستطاعته التغلب عليهم فيها بإظهار الأدلة الدامغة والبراهين الواضحة أسلم الناس وازداد أحمد ديدات شهرة ومحبة لم يكن يحلم بها أو يتوقعها فصار كما قال الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) صدق الله العظيم.

استعان أحمد ديدات بكتاب ( إظهار الحق ) (Truth Revealed) للشيخ رحمة الله الهندي والذي جمع فيه هذا الشيخ الجليل دعاوى القساوسة وردوده المقنعة عليهم قبل مائة عام تقريباً ، علماً بأن هذا الشيخ هو مؤسس المدرسة الصولتية في مكة المكرمة.

صديقين مخلصين .. ورفيقين صالحين

رافق الشيخ أحمد ديدات في مسيرته الدعوية إلى الإسلام صديقاه المخلصان غلام حسن فنكا و صالح محمد واللذان قدما له المعونة المادية والمعنوية التي سخرها أحمد ديدات في الدعوة إلى الله وإلى الدين الإسلامي فقد كان غلام حسن يساعده في البحوث والدراسات بينما كان صالح محمد رجل أعمال ذا مال وتجارة فأخذ ينفق في سبيل الله ويعين أحمد ديدات من الناحية ويتولى ترتيب المناظرات من الألف للياء متحملاً كل الأعباء ، فكان هذين الاثنين نعم الصديقين المؤمنين للشيخ أحمد ولذلك فتح الله على أيديهم قلوب وعقول الآلاف للدخول إلى الإسلام.

أنشأ الشيخ أحمد ديدات ورفيقيه مركزاً للدعوة الإسلامية ومركزاً آخر لتعلم الحرف اليدوية كالنجارة والكهرباء وغيرها وفي ذلك دعوة واضحة للناس بأن الدين الإسلامي دين يحارب الجهالة والبطالة والخمول ويدعو إلى التعلم والعمل وهم بذلك يضربون أروع المثل في كيفية بناء المجتمع المسلم وتعليم أبنائه وإصلاح الأسر المسلمة التي عاشت سنوات في ظل الكفر والجهالة والبطالة ففتح الله على أيديهم أبواب الرزق الحلال وفتح مداركهم للعلم والعمل بالإخلاص والأمانة التي دعا إليها الإسلام .

وبعدها توفي صديقاه الحبيبيين إلى قلبه ورفيقي مسيرته الدعوية غلام حسن وصالح محمد فأرسل الله له صديقاً جديداً هو إبراهيم جادات الذي وقف بجانبه حتى أتاه اليقين.

ومات صديقاه قبل أن يقيم أحمد ديدات مناظرته العالمية الأولى بقاعة لندن الكبرى عام 1977 .

مؤلفات وكتب قيمة في المكتبة الإسلامية

ألف أحمد ديدات أكثر من عشرين كتاباً إسلامياً ومن أشهرها :

ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟

هل الكتاب المقدس كلام الله ؟

وكتاب الاختيار The Choiceوهو مجلد متعدد الأجزاء.

هل الإنجيل كلمة الله؟

القرآن .. معجزة المعجزات.

المسيح في الإسلام.

العرب وإسرائيل صراع أم وفاق؟

مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء.

من حرك الحجر؟

الإله الذي لم يكن.



وغيرها من الكتب التي نفع الله بها الإسلام والمسلمين ..

مناظراته مع القساوسة ورجال الدين المسيحيين

وبذلك جاهد أحمد ديدات في سبيل الله كأروع ما يكون الجهاد بالدعوة إلى دين الله بالتي هي أحسن وبأسلوب الإقناع العقلي والدليل المنطقي ولا ينسى العالم مناظراته مع مجموعة من أبرز رجال الدين المسيحيين مثل القس الأمريكي جيمي سواجارت ، وكلارك ، وأنيس شروش .

ومن أشهر مناظراته مناظرة "هل صُلب المسيح؟" التي ناظر فيها بنجاح الأسقف جوسيه ماكدويل في ديربان عام 1981 وكذلك في مناظرته مع القس الأمريكي سواجارت والتي حضرها 8000 شخص وكانت حول موضوع "هل الكتاب المقدس كلام الله؟"واستطاع الشيخ أحمد ديدات أن يفند بحزم مزاعمه وادعاءاته وقرأ عليه أجزاء كاملة من الإنجيل، وقارن بين نسخه المختلفة في براعة وشدة وكأنه يعرف عن المسيحية أكثر مما يعرفه القسيسون والرهبان !

ومع حماسه الكبير استمر ديدات في العديد من الأنشطة فعقد دورات متخصصة في دراسة الإنجيل، وشكل مؤسسة السلام لتدريب الدعاة. أما المركز العالمي للدعوة الإسلامية فهو العضو المؤسس له، وقد ترأسه لسنوات عديدة. وفاز المركز بجائزة الملك فيصل عام 1986. ويوزع المركز ملايين النسخ المجانية من القرآن الكريم، وخاصة من الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم.

كما يقوم المركز بإعداد دورات للدعاة، ودعوة غير المسلمين عن طريق السياحة والجولات بين المساجد والتعريف بالإسلام، كما يحرص المركز على ترجمة معاني القرآن والكتب الإسلامية باللغات المحلية في جنوب أفريقيا.

رؤيا حسنة يتمم نصفها ويكملها رفيقه

رأى أحمد ديدات رؤيا حسنة في منامه، ويرويها رفيقه إبراهيم جادات قائلاً: "في عام 1976م روى لنا الشيخ ديدات أنه رأى في منامه أنه يقدم بيده مليون نسخة من القرآن الكريم لكل من يناظره حول الإسلام.. وبعد أن استيقظ من منامه أخذ على نفسه عهداً بطباعة وتوزيع مليون نسخة من معاني القرآن الكريم في كل مكان يذهب إليه من العالم".

وعندما أصيب بالمرض عام 1996م كان الشيخ قد أتم توزيع 400 ألف نسخة من معاني القرآن الكريم مترجمة بواسطة العالم البارع "يوسف علي" أشهر مترجم لمعاني القرآن، يضيف السيد إبراهيم جادات: "وقد استدعاني الشيخ بعد مرضه، وحمّلني أمانة إكمال هذه المهمة، والحمد لله ما زلت أقوم بإكمالها بالتعاون مع المركز العالمي للدعوة الإسلامية برئاسة الأستاذ أحمد سعيد مولا الذي أكد مراراً أن المركز تعهد للشيخ بضمان استمرار نشر رسالة القرآن الكريم على نطاق واسع ودون انقطاع…".

صلابته أمام المرض .. ورحيله عن الدنيا

استسلم أحمد ديدات للمرض الذي أصابه بالشلل الكلي ماعدا دماغه وكان عائداً من رحلة دعوية في أستراليا فأصبح يرد على الرسائل والاستفسارات التي تأتيه بالإشارة ويصل عددها في المتوسط إلى 500 رسالة يومية سواء بالهاتف، أو الفاكس أو عبر الإنترنت والبريد واستطاع الشيخ الراحل التواصل مع أسرته وضيوفه بواسطة لغة خاصة تشبه النظام الحاسوبي, فكان يحرك جفونه سريعا وفقا لجدول أبجدي يختار منه الحروف، ويكون بها الكلمات، ومن ثَم يكون الجمل ، وقد اهتمت به زوجته ( حواء ) التي كان يلقبها بأم الأمهات اهتماماً عظيماً حتى توفاه الله سبحانه وتعالى فوافته المنية يوم الاثنين 8-8-2005. وقد لاقى الشيخ ديدات ربه عن عمر يناهز 87 عاما بمنزله في منطقة فيرولام بإقليم كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا بعد صراع طويل مع المرض وبعد أن أقام الحجة على النصارى وجاهد في سبيل الدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة مرسلاً رسالة سامية إلى كل شعوب الدنيا يخبرهم فيها بأن الإسلام هو دين العقل والمنطقة ، وهو دين المحبة والسلام .

[الفارس سامى2]

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

واشكرك لاحضار مثل هذة النماذج المشرفه حتى تكون قدوة لنا

[alabdlllah]

اللهم صلى وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا-تقبل فائق احترامى وتحياتى وسلامى وتقديرى وشكرا لك وجزاك الله خيرا وكل عام وانتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته