بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
أيها الإخوة : الموضوع اليوم غض البصر ، فغض البصر اصطلاحاً أن يغمض المسلم نظره عما حرم عليه ، ولا ينظر إلا لما أبيح له النظر إليه ، فإن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره سريعاً ، هذا هو التعريف الاصطلاحي لغض البصر .
الإمام القرطبي يقول : " البصر هو الباب الأكبر إلى القلب ، أكبر باب ، بل أوسع باب إلى القلب هو البصر ، وأعمق طرق الحواس إليه ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه ، وغضه واجب عن جميع المحرمات ، وكل ما يخشى الفتنة من أجله ".
الآية الأولى في هذا الباب قوله تعالى :
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }
( سورة النور ) .
أما كلمة (من) فتفيد التبعيض ، أنت مكلف أن تغض البصر ، لا عن كل النساء بل عن النساء الأجنبيات ، لكن النساء المحارم لك أن تنظر إليهن .
المعنى الثاني : إذا نظرت إلى النساء المحارم الأم ـ الأخت ـ البنت ـ العمة ـ الخالة ـ بنت الأخ ـ بنت الابن ـ ينبغي ألا تدقق ، وألا تتبع التفاصيل والخطوط ، وشيء طبيعي جداً أن الإنسان ينظر نظرة كلية ، أما الأخت القريبة فلا ينبغي أن ندخل عليها بلا إذن ، ولو أن المرأة أم الإنسان ، لأن النبي e حينما نهى عن الدخول على الأم ، وقال له رجل : إنها أمي ، قال : أتحب أن تراها عريانة ، حتى المحارم ينبغي ألا تدقق في التفاصيل ، ولا ينبغي أن تملأ عينيك من محاسنهن ، وينبغي أن تنظر إليهن نظرة إجمالية .
أما المحارم فينبغي أن يكون ثوبها ثوب خدمة ، هناك من يظن أنها أخته ، الأخت ينبغي ألا تظهر أمام أخيها إلا بثياب الخدمة ، وثياب الخدمة كما وصفها العلماء ، النحر مستور ، تحت الركبة ، وإلى المرفقين ، والنحر مستور ، هذه ثياب الخدمة ، أما أن تقوم الفتاة أمام أخيها بثوب فاضح ، أو قماش شفاف ، ولو أنها أخته فهذا محرّم ، سمح لك أن تجلس معها ، وأن تنظر إليها ، وأن تخاطبها ، وأن تسهرا معاً ، ولكن بثياب محتشمة ، عبر عنها العلماء بثياب الخدمة ، أما التفاصيل فلا يمكن أن تدقق في التفاصيل ، هذا منهي عنه ، لأن النظر هنا يعني من أبصارهم ، فلا تدقق في التفاصيل ، هذا المعنى الثاني .
والمعنى الثالث : النظر الفجائي ينبغي أن تصرف عنه بصرك .
أيها الإخوة : الأحاديث : فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)) .
[ أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبادة بن الصامت] .
الإنسان مسموح له أن يأكل ما حرم عليه اضطراراً ، لو أنه أشرف على الموت فبإمكانه أن يأكل من لحم الخنزير بالقدر الذي يبقي به حياً ، لو أنه أشرف على أن يموت اختناقاً بإمكانه أن يشرب شربة من شراب محرم ليبقى به حياً ، إذاً عندنا أكل عند الضرورة ، وعندنا شرب عند الضرورة ، لكن ليس عندنا زنا عند الضرورة ، السبب ، أن الدافع إلى الطعام يبدأ من الداخل ، فلو وضعت إنسانًا في غرفة ، وليس فيها شيء يشير إلى الطعام يجوع الإنسان ، يشعر بحاجة من الداخل ، لكن قضية الشهوة إلى المرأة تبدأ من الخارج ، إما من امرأة تبرز محاسنها ، فعليك أن تغض البصر عنها ، فمبعث الشهوة الجنسية تبدأ من الخارج لا من الداخل ، أما الرغبة في الطعام فتبدأ من الداخل ، مادام تبدأ من الداخل فعندنا أكل اللحم المحرم اضطرارًا ، وليس هناك ما يسمى بالزنا الاضطراري ، لأن الزنا أساسه معصية تبدأ من الخارج ، فالمرأة مكلفة أن تتحجب ، والرجل مكلف أن يغض البصر ، لو أن المرأة محجبة والرجل يغض البصر هذا أكمل شيء .
لكن لأن المرأة إذا تفلتت فالضمان أن تغض أنت البصر ، والرجل إذا تفلت الضمان أن تحتجب هي عنه ، فإذا كان طرف من الأطراف خرق الاستقامة فالضمان أن الطرف الثاني يأخذ احتياطاً ، إذاً الرجل مكلف أن يغض البصر ، والمرأة مكلفة أن تتحجب : ((اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)) .
[ أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبادة بن الصامت] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ِإيّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطّرُقَاتِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا بُدّ مِنْ مَجَالِسِنَا . نَتَحَدّثُ فِيهَا . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاّ الْمَجْلِسَ ، فَأَعْطُوا الطّرِيقَ حَقّهُ)) .
الآن حق الطريق ، يعني أنت واقف أو ماشٍ ، أنت الآن في الطريق ، يمكن أن يكون لك محل على الطريق ، ويمكن أن تمشي في الطريق ، فما هي آداب الطريق ؟
((قَالُوا : وَمَا حَقّهُ ؟ قَالَ غَضّ الْبَصَرِ ، وَكَفّ الأَذَىَ ، وَرَدّ السّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)) .
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال : ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ )) .
أحيانا يمشي الإنسان في طريق ، وهناك منعطف حاد ، فلما وصل إلى المنعطف فوجئ بامرأة سافرة رآها ، لكن الموقف الشرعي قال : ((فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي)) .
(مسلم)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يَا مَعْشَرَ الشبَابِ عَليْكُمْ بِالْبَاءَةِ . فإنّهُ أغَضّ لِلْبَصَرِ وأحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ . فإِنّ الصّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ)) .
(البخاري ومسلم)
وعن علي رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلاَ تَنْظُرْ إلَى حَيَ وَلاَ مَيّتٍ)) .
(أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد)
لذلك بعض أنواع الرياضة التي فيها كشف للعوارت ينبغي أن يبتعد عنها المسلم ، ما دام الفخذ مكشوفة فلا بد من الابتعاد عن هذه الأنواع من الرياضة .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)) .
(مسلم) .
وهذا الحديث يشير إلى انحرافين جنسيين خطيرين ، الأول بين الذكور ، والثاني بين الإناث ، وهما موجودان بسبب مخالفة الناس لهذا التوجيه النبوي .
وعَنْ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ قَالَ : ((يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى ، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ)) .
(الترمذي)
ولكن التساؤل : هذه الأولى كم زمنها ؟ ينبغي أن تكون في أقلِّ زمن ممكن ، فإذا أطال هذا الإنسان النظرة الأولى فقد وقع في المخالفة .
من أقوال بعض العلماء في شأن غض البصر ، يقول أحد صحابة رسول الله عبد الله بن مسعود :" حفظ البصر أشد من حفظ اللسان" .
المسلم في الأصل أنه لا يرتكب الكبائر ، لا يسرق ، ولا يزني ، ولا يقتل ، ولا يشرب الخمر ، ولكن بلاء المسلمين ليس في الكبائر ، فيما يتوهمونه صغائر ، والصغائر إذا أصر الإنسان عليها انقلبت إلى كبائر .
((إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تخافون من أعمالكم )) .
يعني يتكلم فيغتاب ، ويجلس مع من لا تحل له فيملأ عينيه من محاسنها ، فإذا باع واشترى لم يدقق فيما يقول ، قد يحلف يميناً كاذبة ، ((إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تخافون من أعمالكم)) ، فضبط اللسان وضبط العين .
سيدنا ابن مسعود يرى أن حفظ البصر أشد من حفظ اللسان .
هناك فكرة أتمنى أن تكون واضحة ، وأعظ بها إخوتي ونفسي ، إذا كان هناك شهوة فيها إصرار ، فإذا كانت هذه الشهوة أغلى عليك من الله فالطريق إلى الله ليس سالكًا ، لا بد من أن تتخلى عن كل حظوظك النفسية ، وأن تنصاع إلى منهج الله عز وجل ، فأي إنسان يصر على معصية ولو بَدَت له صغيرة ، وقد رأى أن حظه من هذه المعصية أغلى من حظه من الله فالله سبحانه وتعالى أغنى الأغنياء عن الشرك .
ويقول ابن مسعود أيضاً : " ما من نظرة وإلا وللشيطان فيها مطمع " ، يعني أكبر الفواحش تبدأ بإطلاق البصر ، الفواحش الكبيرة ، فمادام الموضوع طرقناه فلابد من توضيح ، أنت يمكن أن تنظر إلى وردة ، ولست مكلفاً أن تغض البصر عنها ، مع أنها جميلة ، يمكن أن تنظر إلى حديقة فيها مسطح أخضر ، فيها ورود ، ولست مكلفاً أن تغض البصر عنها ، مع أنها جميلة ، ويمكن أن تنظر إلى ساحل بحر ، إلى سفح جبل أخضر ، يقول لك : منظر رائع ، مع أنه جميل ، فلست مكلفاً أن تغض البصر عنه ، فلماذا أمر الإنسان المؤمن أن يغض بصره عن المرأة ؟ هذا شيء آخر ، المرأة بالذات إذا نظرت إليها تبدلت كيمياء الدم ، ولا تكتفي بالنظر إليها ، من شأن المرأة أنك إذا نظرت لا تكتفي بالنظر ، بل لا بد من أن يتبع النظرة حركة ، طبعاً بحسب الموانع والأعراف والتقاليد ، أما لو أتيح لك أن تتابع الأمر لما توقف الأمر عند النظر ، لذلك في كل شيء أنت محرم عليك أن تفعل شيئاً مخالفاً للمنهج ، أنت في حديقة ، رأيت وردة ، أعجبتك ، تأملت فيها ، استمتعت بها ، لا تؤاخذ على إدراك أنها وردة ، كما لا تؤاخذ أن تذوق جمالها ، لكن تؤاخذ إذا قصصتها بالمقص ، هذا عدوان على أزهار الحديقة ، أما المرأة فأنت ممنوع أن تدركها ، أن تتأمل بها ، وأن تتمتع بجمالها ، فضلاً عن أن تقترب منها ، لأن قضية المرأة لها خصوصية ، لقوله تعالى :
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }
( سورة آل عمران الآية : 14 ) .
والآن هناك شيء اسمه علم نفس الجنس ، لو تتبعت دقائق هذا العلم لهالك ، أي لأدهشك ، أن ما ورد في السنة الصحيحة من أشياء متعلقة بالجنس متطابقة تماماً مع علم نفس الجنس تطابقاً دقيقاً ، وحينما كنت في سفري الأخير ، وأنا في الطائرة طالعت مجلة ، فإذا فيها مقالة لدكتور بمصر متخصصة في علم النفس الجنسي ، تقول هذه الطبيبة : إنها حينما كلفت بإعداد موضوع عن الحالات الشاذة لهذا الميل في الإنسان ، أرادت أن تعرف الوضع الطبيعي المسموح به ، فطالعت كتب الفقه وما في السنة من أحاديث متعلقة بهذا الموضوع ، وفوجئت أن أدق التفصيلات التي مرت بها في هذا العلم مغطاة بأحاديث صحيحة ، إذًا هذا الذي قاله النبي ليس من عنده .
{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }
( سورة النجم ) .
وهناك جرائم ارتكبت في بعض بلاد الغرب بسبب مخالفة لهذه التوجيهات النبوية الدقيقة جداً ، طبعاً هذه العلاقة بين الزوجين علاقة حميمة جداً ، والسنة النبوية المطهرة غطت تفاصيل هذه العلاقة الحميمة ، وغطت ما ينبغي وما لا ينبغي ، وما يجوز وما لا يجوز ، لكن أشقى الناس هؤلاء الذين فهموا الدين على أنه عبادات شعائرية ، بينما الدين - ولا أبالغ - مئة ألف بند ، يغطي كل حركة الإنسان ، بدءاً من فراشه إلى حركته ، وأنت في أشد العلاقات خصوصية هناك أحكام شرعية يجب أن تراعيها ، وانتهاءً بأوسع العلاقات ضخامة ، كالحروب بين الأمم ، الشرع يغطيها ، أنت حينما تعتقد أن الذي قاله النبي من خبرته ، ومن بيئته ، ومن ثقافته فأنت مخطئ ، الذي قاله النبي وحياً يوحى ، لذلك قد تجد أشياء في السنة يصعب أن تفسر وقتها ، أما الآن فتفسَّر ، إذاً الله عز وجل أمَره أن ينطق بهذا .
وقال أنس بن مالك : " إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك " .
لا تنسوا أننا في عصر فيه فتن ، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه : ((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ)) .
[ رَوَاهُ مُسلِمٌ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ]
عبادة الله في الهرج ، في زمن الفتن كهجرة إلى النبي e .
ويقول وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى : " خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال : إنا أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا" .
لذلك في آخر الزمان القابض على دينه كالقابض على الجمر ، أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، لأنكم تجدون على الخير معواناً ، ولا يجدون .
وقال بعضهم : " من عمر ظاهره باتباع السنة ، وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، وذكر خصلة سادسة ، وهي أكل الحلال لم تخطئ له فراسة " .
وذكرت لكم أيضاً أن حكمة ربنا عز وجل أن بعض الأوامر الإلهية متطابقة مع القوانين ، فكما أن الشرع يحرم السرقة والقانون يحرمها ، فهذا الذي لا يسرق يا ترى خوفاً من الله أم خوفاً من القانون ؟ الله أعلم ، الله وحده يعلم ، لكن حكمة أخرى صارخة هو أن في الدين أوامر ونواهي لا علاقة لها بالقوانين إطلاقاً ، لا تجد على سطح الأرض نظامًا ولا ثقافة ولا مذهبًا يمنع إطلاق البصر ، إلا في الدين ، فهذا الذي يغض بصره لا شك أنه يخاف الله ، أراد الله أن يبين لك أن بعض الأوامر تؤكد لك إخلاصك لله عز وجل ، ومن أدق التفاصيل لو أن امرأة يفحصها طبيب ، فالطبيب له أن ينظر إلى موطن الداء ، ومكان الألم ، لكن لو أنه استرق النظر إلى مكان آخر لا تشكو منه المرأة ، من يعلم به ؟ الله وحده قال تعالى :
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }
( سورة غافر ) .
وأنت حينما تصلي الصلوات الخمس تتقرب بها إلى الله ، لكنك إذا مشيت في الطرقات تتقرب إلى الله مئات المرات ، كلما غضت بصرك عن امرأة لا تحل لك تقربت إلى الله بهذا الغض ، لأنها قضية معاكسة للشهوات .
يقول بعض العلماء : قد أمر الله في كتابه بغض البصر ، وهو نوعان ، غض البصر عن العورة ، وغض البصر عن محل الشهوة .
طبعاً العورة نوعان : مغلظة ومخففة ، السوءة هي العورة المغلظة ، والمخففة من السرة إلى الركبة ، لكن في غض بصر عن أماكن أخرى ، موضع القلادة ، الصدر مثلاً هذه سماها العلماء بالزينة الباطنة وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) .
( سورة النور الآية : 31 ) .
الباطنة مواضع القلائد والحلي ، لذلك هناك نوعان لغض البصر عن العورة ، وعن الزينة الباطنة .
من فوائد غض البصر : أن حلاوة الإيمان ولذته ، والتي هي أطيب وأحلى مما تركه لله .
((مَا تَرَكَ عَبْدٌ لِلَّهِ أَمْرَاً لا يَتْرُكُهُ إِلاَّ لِلَّهِ إِلاَّ عَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ فِي دِيِنهِ وَدُنْيَاه)) .
[ أخرجه ابن عساكر عن ابن عمر ] .
غض البصر : يورث نوراً في القلب وفراسة لا يتمتع بها ما يطلقون أبصارهم .
غض البصر : يورث قوة القلب وثباته وشجاعته .
غض البصر : من أهم الصفات التي يتحلى بها المؤمن ، وتتولد من الحياء ، وفيه راحة للنفس وللبدن ، ويصون المحارم ، ويجنب الوقوع في الزلل ، ويجعل المجتمع المتحلي بهذه الصفة مجتمعاً آمناً متحاباً .
غض البصر : يصون المجتمع من انتشار الزنا .
العوام أجملوا كل هذا بكلمة : لا العين ترى ، ولا القلب يحزن ، الإنسان إذا أطلق بصره حجب عن الله عز وجل ، فإن أراد أن تكون هذه الصلة قائمة فليغض البصر ، والدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبة ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، والإنسان إذا قال : لا أستطيع فهو يرد كلام الله ، لأن الله عز وجل يقول :
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}
( سورة البقرة الآية : 286 ) .
ولولا أن غض البصر مِن وسعِ الإنسان لما كلفنا الله أن نفعله ، مستحيل أن يكلفنا ما لا نطيق ، لكن الإنسان يدعي أنه لا يستطيع ، أما هو يستطيع .
ويا أيها الإخوة : أنا لا أصدق أن أرى كاتباً غربياً لا يعرف عن الدين شيئًا ، هذا ( ألكسيس كاريل ) في كتابه : (الإنسان ذلك المجهول) يقول : إن أفضل منهج للبشر أن يقصروا طرفهم على زوجاتهم ، يبدو أن الإنسان حينما يطبق نظام غض البصر يسعد المجتمع .
الآن كم من المشكلات ، والفساد الأسري ، والشقاق الزوجي ، ومتاعب البيوت ، أساسها إطلاق البصر ؟ بل إن الزوجين ينطبق عليهما هذا الحديث الشريف : ((ما توادا اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصاب أحدهما )) .
إذا غض الإنسان بصره يجد الثمار اليانعة في بيته ، ماذا يجد ؟ يجد مودة بينه وبين زوجته ، يجدها في أعلى مطمح له ، مع أنها قد تكون متوسطة ، لكن الله عز وجل يصبغ عليها جمالاً يحصن زوجها عن غيرها ، بسبب غض بصره ، أما الذي يطلق بصره فلو أن عنده امرأة في أعلى مستوى يكرهها ، من الذي يدخل بين الزوجين ؟ الشيطان ، فإذا أذنب أحدهما فرق بينهما ، ((ما توادا اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصاب أحدهما)) .
وهذا شيء بين أيديكم ، غض بصرك ، وانظر إلى بيتك ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((الحمد لله الذي رزقني حب عائشة)) .
عدا هذا من نعم الله الكبرى ، أن يحب المرء زوجته ، أما الآن لو دخلت - ولا أبالغ - مئة بيت مسلم فتسعون بالمئة من بين هذه البيوت ليس فيها مودة بين الزوجين ، بسبب إطلاق البصر ، هو وهي ، إذا أطلق هو بصره ، وأطلقت هي بصرها بقيت زوجته ، وبقي زوجها ، لكن الود الذي ينبغي أن يكون بين الزوجين لا تجده أبداً بسبب إطلاق البصر .
فغض البصر مدرسة ، ولأنه مهم جداً ليس مغطًّى بحديث ، لا ، مغطى بآية ، ما دام غض البصر احتل حيزاً في القرآن ، الكتاب الذي نتعبد الله بتلاوته معنى ذلك القضية أساسية ، ومركزية ، ومفصلية ، لكن نحن في زمن والعياذ بالله أينما التفت تجد المرأة في أبهى زينة ، وكأنها في غرفة نومها ، في أبهى زينة ، وهذا من البلاء الكبير في هذا العصر لذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ)) .
[ رواه البخاري ] .
في المستقبل أتيح لك أن تعمل في مكان متعب ، في سوق مزدحم ، أو في مكان لإصلاح المركبات ، وفي شارع تباع فيه حاجات النساء ، والمحلات في أعلى درجة من الزينة ، دينك يأمرك أن تكون في مكان بعيد عن النساء ، لأنه كما قال عليه الصلاة والسلام : ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ)) .
[ متفق عليه عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ]
وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ، وأكبر مصيدة للشيطان المرأة ، وعندك مصيدتان ؛ المال والمرأة ، أكبر مصيدة للشيطان يوقع بها المؤمنين قضية المرأة ، وقضية المال ، فمن حصن نفسه من المرأة الحرام والمال الحرام نجا وسلم .
فالقضية تحتاج إلى جهد كبير ، أما أن تتابع ما على الشاشة من مناظر تثير الحجر ، وتقوم لتصلي العشاء فهذا شيء فوق طاقتك ، هذا شيء لا يكون ، أن تعطي نفسك ما تشتهي ، وأن تعد نفسك من المؤمنين الصادقين ، هذا شيء غير مقبول ، فلابد من أن تبتعد عن أسباب الفتن ، والآن وأنا أعني ما أقول أكبر سبب للفتنة المرأة في هذا العصر ، لأن الدنيا كلها يصطادون المسلمون بها .
لذلك قال بعض العلماء : كان الأعداء يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، الآن السياسة اختلفت ، الآن يجبروننا بالقوة الناعمة ، المرأة ، على أن نريد ما يريدون ، ففي الخمسينات إذا ضبط الابن وقد ذهب إلى السينما تقوم الدنيا في البيت ولا تقعد ، أليس كذلك ؟ الآن كل بيت فيه ملهى ليلي ، كل بيت ، الدليل : اصعد إلى جبل قاسيون وانظر إلى سطوح المنازل ، كل بيت فيه ملهى ليلي .
وأسأل الله لي ولكم السلامة
************************************************** ********